أرشيف

تعز مفترق طرق بين المسارين السلمي والمسلح للثورة

تواجه الثورة الشبابية المتصاعدة منذ أربعة أشهر في اليمن، تحديات كبيرة حيال قدرتها على الحفاظ على الطابع السلمي للفعاليات الاحتجاجية، وعدم الانزلاق إلى مربع العنف، الذي تفجر كقنبلة موقوتة بقوة دفع النظام السياسي الحاكم وأذرعه الأمنية والعسكرية .


نجاح أول عملية اقتحام مسلح تنفذها القوات الأمنية والعسكرية باستخدام العنف المفرط، والاستعانة بمجاميع مسلحة من “البلاطجة” لأكثر ساحات الاعتصام الاحتجاجي إبداعاً في إنتاج مظاهر الحراك الثوري الشبابي الناشئ التي تمثلها ساحة الحرية بتعز، وما رافق هذا الاجتياح المباغت من مشاهد دموية غير مسبوقة وارتفاع قياسي لأعداد القتلى والمصابين الذين بلغت محصلتهم حتى منتصف الليلة قبل الماضية 80 قتيلاً وأكثر من 1200 جريح، يعد بمثابة أول اختبار حقيقي لقدرة الثورة الشبابية على الصمود والالتزام بالخيار السلمي، كوسيلة لتحقيق سقف أهدافها المعلنة بإسقاط النظام، وفرض التنحي القسري لهرم السلطة القائمة، في مواجهة مظاهر استنفار مجتمعي متصاعد أثارته مشاهد القتل المروعة التي تعرض لها المعتصمون في ساحة الحرية، وعبرت عنه قرارات خلص إليها اجتماع موسع لائتلاف ناشئ من الشخصيات الاجتماعية والقبلية والسياسية، من أبرزها فرض حماية مسلحة على ساحات الاعتصام المتوزعة بين شارع جمال التجاري بوسط المدينة وتجمعات اعتصامية مماثلة في عدد آخر من الشوارع الرئيسة .


واعتبر الناشط السياسي بتعز الدكتور عبدالباقي أحمد مهيوب العريقي في تصريح ل “الخليج”، أن التطور الطارئ في مشهد الثورة الشبابية بتعز عقب اقتحام ساحة الحرية وإخلائها من المعتصمين بعد عمليات قتل مروعة وبالجملة، قد يدفع بمسار ثورة الشباب إلى اتجاه مغاير عن الاتجاه السلمي الذي يشكل أبرز مميزات ثورة فبراير الشبابية، وأكثرها تأثيراً في النظام وتماسكه . وأشار إلى أن فرض حماية مسلحة للمعتصمين بتعز من قبل المشائخ والوجاهات الاجتماعية والقبلية والسياسية والتجارية سيضفي المزيد من التصعيد على الأوضاع الأمنية في المدينة، نتيجة تصادم حتمي بين المجاميع المسلحة التي ستضطلع بمهام حماية المعتصمين وبين القوات الأمنية والعسكرية التي ستسعى إلى إحداث وافتعال هذا التصادم، كون هذه المجاميع لا تتمتع بجاهزية ونفوذ مسلح كالتي تتمتع بها قوات اللواء الأول مدرع التي تضطلع بالمهمة نفسها إزاء المعتصمين بساحة التغيير بصنعاء .


وقال: “فرض حماية مسلحة للمعتصمين بتعز بعد إخلاء ساحة الحرية بمديرية القاهرة، سيجعل من العناصر المسلحة المكلفة بهذه المهمة جزءاً من مكونات الثورة الشبابية بتعز، وهو ما يتعارض مع الطابع السلمي لمظاهر الفعاليات الاحتجاجية التي تعبر عنها الاعتصامات الشبابية في الساحات العامة، إلى جانب أن القوات الامنية والعسكرية المكلفة قمع الفعاليات الاحتجاجية بتعز لن تسمح بعد نجاحها في إخلاء ساحة الحرية باستحداث ساحات جديدة، وهي تستخدم حالياً العنف المفرط لتكرار عملية الإخلاء للساحات الأخرى التي يتواجد فيها معتصمون خارج نطاق ساحة الحرية، وبالتالي فإن هذه القوات ستبادر إلى الاصطدام بلجان الحماية المسلحة المعتزم تشكيلها بسبب وبدون سبب، وستكرس ظهور هذه المجاميع في السعي إلى التشكيك بالطابع السلمي للفعاليات الشبابية الاحتجاجية بتعز، أعتقد أن ثورة الشباب بتعز تواجه مفترق طرق قد يحدد مسار الفعاليات الاحتجاجية في كافة الساحات الأخرى بالمدن اليمنية” .


الرد بالمثل كمبدأ أقره اجتماع وجهاء تعز وشخصياتها الاجتماعية والسياسية والقبلية في مواجهة استحقاقات التصدي لصلف وعنف القوات الأمنية والعسكرية، عبر فرض حراسات مدنية مسلحة لحماية المعتصمين بتعز المطالبين بإسقاط النظام السياسي القائم، يمثل من الناحية العملية تطوراً دراماتيكياً طارئاً، في مشهد الثورة الشبابية في المدينة سيسهم في حال تطبيقه على الأرض في إحداث انحراف نوعي في مسار الثورة، كانتفاضة شبابية سلمية الطابع والمظهر، باتجاه منعطف قسري تواجه فيه الرصاصة الرصاصة وتتراجع الصدور العارية ورمزية الوردة في مواجهة البندقية، الأمر الذي قد يخرج الثورة الشبابية، ليس في تعز وحدها وإنما في كافة المدن الأخرى، عن مسارها السلمي المؤثر إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التصعيد غير السلمي الذي سيوفر على النظام الحاكم عناء البحث عن ذرائع للدفع بالبلاد صوب أتون الحرب الأهلية المحتملة .


وحذرت الناشطة الحقوقية بتعز آمال عبدالسلام مقبل في تصريح ل “الخليج” من خطورة ما وصفته ب “ردة الفعل العاطفية”، إزاء تداعيات حمام الدم الذي اقترفته القوات الحكومية الموالية للرئيس صالح ضد المعتصمين بساحة الحرية، معتبرة أن تعز باتت أحوج ما تكون إلى “التحلي بضبط النفس ومواصلة النهج والطابع السلمي للفعاليات الاحتجاجية المطالبة بإحداث التغيير السياسي المنشود” .


وقالت مقبل: “العنف لن يولد إلا المزيد من العنف، لقد فقدت تعز منذ بدء اعتصامات شباب الثورة في ساحة الحرية في منتصف فبراير/ شباط الماضي العديد من خيرة شبابها الذين استشهدوا وهم يواجهون الرصاص الحي بصدورهم العارية، وفي كل مرة كانت قوات النظام تقتل وتجرح المعتصمين بالساحة كان النظام يزداد ضعفاً وارتباكاً، وهو ما لمسناه من خلال فرار محافظ المحافظة، وتقوقع مدير الأمن في مقر المديرية، بعد إحاطته لها بجيش من الحراسات، الآن وبعد المجزرة الأخيرة هناك حالة من الفوران العاطفي والغليان والغضب الشعبي الذي دفع بقرارات من قبيل فرض حراسات مسلحة لحماية المعتصمين، والرد على أي عدوان جديد من قوات النظام بنفس وسيلة العدوان، وهذا سيخرج الثورة عن طابعها السلمي وسيخلط الأوراق وسيعطي الرئيس علي صالح ونظامه الفاقد للشرعية فرصة للنيل من سمعة وصورة الثورة الشبابية التي لا تحتاج إلى جناح عسكري لحمايتها، وإنما إلى المزيد من ضبط النفس وكظم الغيظ والغضب، ومواصلة تنظيم الفعاليات الاحتجاجية وتصعيدها بشكل سلمي ومدني” .

زر الذهاب إلى الأعلى